الرئيسية » » نوازل الصيام

نوازل الصيام

نوازل الصيام [1/2]

د.عبدالله بن حمد السكاكر
النازلة الأولى: بخاخ الربو
النازلة الثانية : الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان
النازلة الثالثة : منظار المعدة.
النازلة الرابعة: ما يتعلق بنفوذ شيء إلى البدن عن طريق الأنف.
النازلة الخامسة: غازات التخدير.
النازلة السادسة: ما يتعلق بقطرة الأذن.
النازلة السابعة : غسيل الأذن.
النازلة الثامنة: قطرة العين
النازلة التاسعة: الحقن العلاجية سواء كانت جلدية أو عضلية أو وريدية.
النازلة العاشرة: الحقن المغذية الوريدية.
النازلة الحادية عشر: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية.

النازلة الأولى: بخاخ الربو
ماالمقصود ببخاخ الربو؟وكيف يستعمل؟ وإلى أين تذهب مواده؟ وكلام أهل العلم في هل يفطر به الصائم أولا يفطر؟
بخاخ الربو: هو عبوة مضغوطة تحتوي على ثلاثة أمور أو أشياء:
الأول: الماء .والثاني: غاز الأكسجين .والثالث: المواد العلاجية التي يقصد أن تصل إلى الجهاز التنفسي فالعبوة هذه تحتوي على هذه الأمور الثلاثة النسبة الكبرى فيها للماء والباقي على الأكسجين والمواد العلاجية واستعمالها كما هو معروف هو بأن يضع الإنسان هذا البخاخ في فمه ثم يأخذ شهيقاً عميقاً وفي هذه الأثناء يطلق بخةً واحدة يستنشقها أو يتنفسها مع الشهيق
هذه البخة أين تذهب حينما تستنشقها أو تتنفسها؟هذه البخة في غالبها وعامتها وأكثرها إلا ما ندر يذهب إلى الجهاز التنفسي بدأ بالفم ثم ما يسمى البلعوم ثم القصبات الهوائية ثم يذهب إلى الرئة غالب هذه المادة المستنشقة يذهب بهذا الاتجاه لكن هناك جزء يسير جداً من هذه المواد يعلق بجدران ما يسمى بالبلعوم والبلعوم هو أعلى الجهاز الهضمي يعلق به وربما الإنسان يبتلع شيئاً منه فيذهب إلى المعدة يعني جزء يسير جداً يعلق في البلعوم وجزء مما يعلق في البلعوم يذهب إلى المعدة والمعدة هي الجوف على الصحيح من أقوال أهل العلم فهذا الجزء اليسير يذهب في هذا الطريق وغالب هذا الغاز أو المادة المستنشقة يذهب إلى الجهاز التنفسي وننتقل إلى هل يفطر الصائم إذا تعاطي هذه المادة أو لا يفطر؟ اختلف المعاصرون من أهل العلم الذين بحثوا هذه المسألة على قولين: فذهب أكثر أهل العلم من المعاصرين إلى أن الصائم لا يفطر عند تعاطيه لهذه المادة أو الغاز وهو صائم وممن قال هذا القول المشايخ الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ محمد الصديق الضرير واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية وقد رجح هذا القول الشيخ أحمد الخليل في بحثه المفطرات المعاصرة قال هؤلاء إنه لا يفطر بهذا البخاخ وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أنه يفطر به فإن الأصل أنه لا يجوز له أن يتعاطاه فإن احتاج إلى تعاطيه تعاطاه وقضى يوماً مكانه هذان هما قولا أهل العلم في هذه المسألة الذين ذهبوا إلى أن هذا البخاخ لا يفطر الصائم وهم الأكثر ومعهم من ذكرت لكم في هذه المسألة قالوا:
إن الأصل صحة الصيام ولا يترك هذا الأصل وهذا اليقين إلا بيقين مثله ووصول شيء من هذا الرذاذ وهذه المادة إلى المعدة أمر مشكوك فيه لأن الأصل أن هذه المادة تذهب إلى الجهاز التنفسي فوصول شيء منها إلى المعدة هذا أمر مشكوك فيه واليقين لا يزول بالشك وبالتالي نقول إن الصيام يبقى صحيحاً حتى يثبت عندنا يقين أن جزءا من هذه المادة وصل إلى المعدة وكما قلت قبل قليل أن الأطباء يقولون أن جزءا يسير قد يصل إلى المعدة قال من قال بأن بخاخ الربو لا يفطر قالوا وعلى فرض أن جزءا من هذه المادة وصل إلى المعدة فإنه قدر يسير يعفى عنه ولا يحصل الفطر به قياساً على أمرين :
الأول: ما يبقى بعد المضمضة فإن الأطباء وأهل العلم يقولون إن الإنسان إذا تمضمض وهو صائم إنه يصل إلى معدته من الماء قدر أكثر مما يصل إلى المعدة إذا استنشق هذا البخاخ لأن القدر الذي يصل إلى المعدة لو وصل من هذا البخاخ قدر ضئيل جداً جداً فإنه هذه العلبة علبة بخاخ الربو مقدار ما فيها تقريباً عشرة ملليلترات من هذا المحلول وهذه العبوة قد أعدت لتطلق مائتي بخة أي أن كل بخة واحدة من هذا البخاخ يبلغ مقدارها واحدا على عشرين 1/20 من المليلتر الواحد هذا الجزء من عشرين جزءا من الملي لتر عامته يذهب إلى الجهاز التنفسي إذاً ما يعلق في البلعوم جزء يسير جداً من هذه الكمية ثم الذي يعلق في البلعوم ليس كله يصل إلى المعدة وإنما الذي يصل إلى المعدة جزء يسير مما يعلق في البلعوم يقولون إن هذا القدر الذي يصل إلى المعدة من هذه المادة إنه لا يقارن أبداً بما يمكن أن يصل إلى المعدة إذا تمضمض الإنسان بالماء ومن المعلوم أن الصائم يجوز له أن يتمضمض والنبي ‘ يقول " بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" معنى ذلك أن الصائم يتمضمض ويستنشق والأطباء يقولون: لو تمضمض الإنسان بمادة مشعة يعني تظهر في الأشعة لو تمضمض ثم مج هذا الماء الذي تمضمض به أو هذه المادة لوجد أثر هذه المادة بعد مدة يسيرة في المعدة معنى هذا أنه إذا تمضمضت يبقى في الفم شيء ثم تبلعه أنت مع الريق فيصل إلى المعدة هذا الذي يصل إلى المعدة من بخاخ الربو لا يقارن أبداً بما يصل إليها من المضمضة فهؤلاء يقولون : لا يصل شيء من البخاخ إلى المعدة ولو وصل فهو قليل معفو عنه متجاوز عنه لا يحصل به الفطر قياساً على ما يمكن أن يصل إلى المعدة بعد المضمضة بالماء هذا القياس الأول .
القياس الثاني : القياس على ما يمكن أن يصل إلى المعدة من السواك فإن هذا السواك أثناء الإستياك به تتحلل أجزاء منه ثم تذهب مع اللعاب إلى المعدة وفي صحيح الإمام البخاري معلقاً " يقول عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، مالا أحصي يستاك وهو صائم " والحديث وإن كان فيه مقال إلا أن الأصل في الأدلة الدالة على فضل السواك والترغيب فيه ليس فيها ما يدل على أن السواك يرغب فيه في حالة دون حالة والنبي صلى الله عليه وسلم ‘ قال " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " والصائم تمر عليه ثلاث صلوات وهو صائم الفجر ،الظهر ،العصر وقال:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء "وكان إذا دخل داره ‘ يبدأ بالسواك وإذا قام من نومه يبدأ بالسواك فالأصل أنما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الفطر يفعله في الصيام مالم يثبت دليل يخرج ذلك عنه فهذا السواك ثمت أجزاء تتحلل منه مع اللعاب فتصل إلى المعدة فإذا لم يحصل الفطر بهذه الأجزاء التي تتحلل فإنه لا يحصل بما هو أقل منه وهو ما يكون من أثر بعد تعاطي بخاخ الربو هذا هو قول من قال أنه لا يفطر من تعاطى البخاخ أثناء الصيام وهذه هي حجتهم أظن إنه بمعرفة هذا القول ودليله نعرف دليل القول الثاني إذا القول الثاني أصبح واضحا وجليا لأنه إذا قلنا بخاخ الربو جزء يسير منه يعلق في البلعوم وجزء مما يعلق في البلعوم يصل إلى المعدة ومعنى ذلك أنه وصل إلى المعدة فهذا يُفطر فهذا هو دليل من قال بأن من تعاطى بخاخ الربو أثناء الصيام فإنه يفطر بذلك ودليل أصحاب القول الأول جواب عن دليل القول الثاني أن وصول هذا الماء إلى المعدة غير مسلم وعلى فرض التسليم به فما يصل يسير جداً معفوا عنه قياساً على ما يبقى بعد المضمضة وبعد السواك ولهذا نقول إن الراجح والعلم عند الله هو القول بأن بخاخ الربو لا يحصل الفطر به وهذا كما مر معنا أنه خلاف بين أهل العلم وأهل العلم يقولون الخروج من الخلاف مستحب فإذا أمكن لمريض الربو مثلاً أن يؤخر تعاطي هذا البخاخ ولا يترتب على ذلك مشقة ولا ضرر قلنا الأفضل أنه يؤخره خروجاً من الخلاف لكن إذا احتاج إليه فإننا نقول إنه لا يحصل الفطر بذلك والعلم عند المولى سبحانه .

النازلة الثانية : الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان
يقول الأطباء أن منطقة ما تحت اللسان. هذه تعتبر من أسرع المناطق امتصاصاً للعلاج في البدن بحيث أن هذه المنطقة إذا وضع فيها العلاج يمتصه البدن بأسرع وقت ولهذا هناك أقراص صنعت لمرضى القلب لمنع ما يسمى بالذبحات الصدرية هذا العلاج صنع لمرضى القلب لمنع هذه الذبحات أو التجلطات في القلب بحيث أن الإنسان يضع هذه الحبة تحت لسانه فما هي إلا مدة يسيرة جداً فيمتص البدن هذه المادة العلاجية فتصل إلى القلب عبر الدم وينتفع بها البدن هذه هي الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان هذه الأقراص اتخذ فيها مجمع الفقة الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في عام 1418هـ اتخذ فيها المجمع في تلك الدورة قراراً بالإجماع كما أظن أنها لا تفطر لكن بشرط أنما يتحلل من هذا القرص لا يبتلعه الإنسان أو يزدرده لأن هذه الأقراص إذا وضعت تحت اللسان ربما يتحلل شيء منها يبقى في اللعاب فهذا الذي يتحلل ما يبتلعه الإنسان وإنما يمجه فإذا لم يبتلع الإنسان ما يتحلل من هذا القرص وإنما كان دخولها إلى البدن عبر هذه القنوات التي تحت اللسان عبر الدم فإنه لا يفطر بذلك لأن الأصل صحة الصيام ولا نترك هذا الأصل إلا بيقين وهذه الأقراص ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معنى الأكل أو الشرب فإنها لا تصل إلى المعدة ولا يحصل للبدن بها من القوة والنشاط ما يحصل بالطعام والشراب فهي ليست طعاماً ولا شراباً ولا في معنى الطعام أو الشراب ولهذا نقول إن هذه الأقراص لا يحصل بها الفطر لكن بالشرط الذي ذكرت لكم وهو أن ما تحلل منها لا يبتلعه الإنسان لكن لو تحللت في الفم ثم ابتلعه الإنسان فحينئذٍ نقول إن هذا عبارة عن أكل أو شرب والله سبحانه قال { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } بمعنى انه إذا تبين الصبح أمسك الإنسان عن الطعام والشراب فإذا ابتلع ذلك فإنه يفطر به .

النازلة الثالثة : منظار المعدة.
منظار المعدة هو عبارة عن جهاز طبي متصل بسلك أو خيط أو نحو ذلك يدفع في الجهاز الهضمي للإنسان عبر الفم ثم البلعوم ثم المريء ثم يصل إلى المعدة وهذا الجهاز في غالب أحيانه يستعمل لأغراض تشخيصية إما تصوير وإما أخذ عينات أو نحو ذلك ثم بعد انتهاء الغرض يسحب مرةً أخرى ويستخرج هذا هو المنظار الذي نريد أن نتحدث عنه . هل يحصل به الفطر إذا فعله الإنسان وهو صائم؟ وقبل ذلك نبحث مسألة الخلاف فيها يؤثر في المسألة التي بين أيدينا هذه المسألة هي :هل كل ما وصل إلى الجوف بالمعنى الذي رجحناه وهو المعدة هل كل ما وصل إليها يعد مفطراً أم لا يعد مفطراً إلا ما وصل إلى الجوف مما يطعم أو يشرب أو ينتفع به البدن؟ فمثلاً إنسان معه خرزة أو لؤلؤة وهو صائم ثم وضعها في فمه وابتلعها عمداً هذا هو محل الخلاف في هذه المسألة هل يفطر بذلك أم لا؟ من المعروف أنك إذا شربت ماءً أن هذا مفطر بالإجماع كما مر معنا لكن إذا أكلت وأنت صائم حصاة مثلاً أو لؤلؤة ووصلت إلى المعدة هل تفطر بذلك أم لا؟ جماهير أهل العلم يقولون :إنه يفطر بابتلاع أي شيء سواء كان مما يطعم أو يشرب أو مما لا يطعم ولا يشرب ولا يتحلل لو ابتلعت حصاة عمداً قلنا أنك أفطرت فإن قيل : هذه الحصاة لا تنفع ولا تغني ولا تسمن يقولون المهم أنك ابتلعتها ووصلت إلى المعدة فأنت تفطر بذلك هذا القول قال به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلا أن الحنفية قيدوا هذه المسألة بشرط فقالوا: - وهنا يتضح أحياناً فائدة وثمرة الخيال الفقهي الواسع ربما ذلك الفقيه الحنفي حينما ذكر مثل هذا الأمر لم يأتي في خلده أنه سيأتي بعد قرون شيء يسمى المنظار- فالحنفية يقولون : إنه يفطر بما وصل إلى المعدة ولو لم يكن مطعوماً ولا متحللاً لكن بشرط أن يستقر في المعدة فعند الحنفية لو أن الإنسان ربط خرزة مثلاً من اللؤلؤ بخيط ثم ابتلعها ووصلت إلى المعدة ثم سحبها مرةً أخرى فإنه لا يفطر بهذا في ذلك الوقت نقول إن هذا عبارة عن ترف فقهي أن الإنسان يتخيل مسائل قد لا تكون موجودة في ذلك الزمن ولا يخطر في بال أنها موجودة لكن الآن وجدت فعند الحنفية أنما يصل إلى المعدة يفطر به الصائم ولو لم يكن مما يتحلل أو ينتفع البدن به لكن بشرط أن يستقر. هذا هو القول الأول في هذه المسألة . القول الثاني في هذه المسالة ذهب إليه بعض المالكية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ’ قال أصحاب هذا القول إنه لا يفطر بما وصل إلى المعدة إلا أن يكون ذلك مما يطعم أو يشرب يعني مما يتحلل فينتفع البدن به فلو أكل حصاةً أو قرشاً فعند أصحاب القول الثاني أنه لا يفطر بذلك .
الجمهور الذين قالوا بأنما دخل إلى المعدة يفطر الصائم به ولو كان مما لا يطعم ولا يتحلل استدلوا على ذلك بعدد من الأدلة من هذه الأدلة أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن الاكتحال للصائم " وقالوا إذا اكتحل الإنسان فإن جزءا منه يصل إلى البلعوم ثم مع الريق ينزل إلى المعدة والكحل ليس مما ينتفع به البدن فهذا دليل على أنه يفطر بما وصل إلى المعدة سواء أكان نافعاً أو لم ينتفع به البدن لكن هذا الحديث حديث منكر لا يصح . الأمر الثاني قالوا أن ابتلاع الحصاة يسمى أكلاً وبتالي يدخل في النصوص الشرعية كما في قوله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فهؤلاء يقولون : إن هذا أكل لكن أصحاب القول الثاني يقولون هذا هو محل النزاع وأهل العلم يقولون : ما يصح الاستدلال على الخصم بمحل النزاع فنحن لا نسلم أن هذا أكل الأكل إنما هو لما يطعم أو يشرب ولهذا الأكل والشرب ورد في الآية والنبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله تعالى وقد قال : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ . رواه مسلم
فالحديث يدل على أن الأكل إنما يعد أكلاً مفطراً إذا كان مطعوماً أيضاً استدل الجمهور بماصح عن ابن عباس _ أنه قال " إنما الفطر فيما دخل لا فيما خرج "وهذا وإن ثبت عن ابن عباس _إلا أنه مقيد كما قيدت الآية لأن الفطر فيما دخل مما يطعم مما ينتفع به البدن مما يتقوى به البدن لأن الحكمة من مشروعية الصيام هو- حبس النفس عن شهواتها وكسر حدتها وتضييق مجاري الشيطان وهو الدم فيها وهذا إنما يحصل بترك المطعومات أما غير المطعومات فدخولها للبدن لا يقوي البدن ولا يوسع مجاري الشيطان فيه .
القول الثاني وهو قول بعض المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية ’ الذين قالوا إنه لا يفطر بما دخل إلى المعدة إلا أن يكون مطعوماً أو مشروباً يتحلل فينتفع به البدن فقالوا لأن هذا هو الحكمة من الصيام لأن الحكمة من الصيام هي منع البدن في هذا الوقت من الطعام والشراب الذي يحصل به تقوي وأنتم تعرفون أن النفس إذا شبعت حصل لها الأشر والبطر وهذا أمر مشاهد فإذا جاعت انكسرت حدتها وسورتها وذهب الأشر والبطر وما يحصل من المعاني التي تنافي العبودية،والذل والخضوع لله عز وجل يحصل بالإمساك عن الطعام والشراب ويحدث عكسه بتعاطي الطعام والشراب الذي يتقوى به البدن أما تعاطي الحصاة أو خرزة أو نحوه فإنه لا يؤثر في ذلك ولهذا قال أصحاب هذا القول إنه لا يفطر إلا إذا وصل إلى المعدة شيء مما يتحلل وينتفع به البدن ويتقوى وهذا القول رجحه الشيخ أحمد الخليل في كتابه المفطرات المعاصرة وهو الذي يظهر إن شاء الله .
بعد ذلك نأتي إلى مسألتنا وهي مسألة المنظار هل يفطر به الصائم أو لا يفطر؟
فنقول المنظار له حالتان :
الأولى :هي أن يقوم المعالج بوضع مادة هلامية أو مادة دهنية أو نحو ذلك على هذا المنظار من أجل تسليك وتسهيل عملية دخوله أو يضخ الطبيب عبره محلول الملح ونحوه لإزالة العوالق عليه لتسهيل عملية التصوير وحينئذٍ نقول : إنه يفطر الصائم بذلك لأنه وإن كان المنظار لايتحلل ولاينتفع به البدن إلا أن تلك المواد يمتصها البدن ويحصل له بها نوع انتفاع .
الحالة الثانية : أن يقوم المعالج بإدخال هذا المنظار بدون وضع أي شيء عليه أو من خلاله وحينئذٍ فالكلام في الفطر به متفرع على الكلام بالفطر بدخول شيء إلى المعدة لا يتحلل مثل ابتلاع القرش والحصاة ونحو ذلك فجمهور أهل العلم يقولون إنه يفطر بذلك لأنه جسم وصل إلى المعدة فهو في حكم الأكل أو الشرب والحنفية يقولون لا يفطر لأنه لا يستقر وأصحاب القول الثاني وهم بعض المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية ’ يقولون إنه لا يفطر بذلك لأن هذا ليس مطعوماً ولا مشروباً ولا يتحلل ولا يحصل للإنسان له به قوة ولا نشاط فلا ينافي معنى الصيام ولا الحكمة من الصيام وبتالي لا يفطر بذلك وهذا القول رجحه الشيخ محمد بن صالح العثيمين ’ وهو الراجح إن شاء الله تعالى.

النازلة الرابعة: ما يتعلق بنفوذ شيء إلى البدن عن طريق الأنف.
فمن ذلك قطرة الأنف هل يفطر الصائم بوضع شيء من هذا الدواء في أنفه أو لا؟ وقبل أن نذكر أقوال أهل العلم في التفطير بهذه القطرة نؤكد على أن الأنف منفذ إلى الحلق وإلى المعدة وهذا أمر ثابت في السنة ومؤكد عند الأطباء ومعروف عند الناس ففي حديث لقيط بن صبره _ في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ‘ وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" وهذا يفيد بأنه إذا كان صائما فلا يحل له أن يبالغ في الاستنشاق لئلا يصل الماء إلى جوفه فيفطر بذلك فالأنف منفذ إلى الحلق ثم إلى المعدة كما هو معروف وفي الطب الآن ما يتعلق بغسيل المعدة وأحيانا التغذية لبعض المرضى وأمور كثيرة يكون ذلك عن طريق الأنف فهو منفذ إلى المعدة.
إذا احتاج الصائم إلى أن يضع في أنفه قطرة من هذه القطرات الطبية العلاجية فهل يفطر بذلك أم لا يفطر؟
قد ذهب أكثر أهل العلم من المعاصرين ومنهم الشيخان ابن باز وابن عثيمين ’ إلى أن القطرة في الأنف تفطر وحجتهم في ذلك ظاهرة قالوا إن ما يوضع في الأنف من قطرات ينفذ إلى الحلق ثم إلى المعدة فيكون مفطراً لحديث لقيط ابن صبره "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" فإن وَضْعَ القطرة في الأنف أبلغ من المبالغة في الاستنشاق لأن المبالغة في الاستنشاق يحتمل أن يصل بها إلى حلقة شيء من الماء ويحتمل أن لا يصل لكن القطرة آكد لأن الإنسان يضعها بحيث لا تخرج هذا هو القول الأول في هذه المسألة.
وذهب بعض أهل العلم أيضاً من المعاصرين إلى أن القطرة في الأنف لا تفطر واحتجوا على ذلك بأمرين : الأول أن ما يصل إلى الحلق من هذه القطرة قليل جدا فإن القطرة الواحدة ربما لا تصل كميتها إلى 6% من السنتيمتر المكعب الواحد فهي كمية قليلة جداً هذه الكمية يذهب أكثرها أو جلها في الشعب التنفسية والجيوب الأنفية وفي هذه القناة وما يصل منها إلى الحلق ثم بعد ذلك إلى المعدة قليل جداً فهو مما يعفى عنه ولا يحصل الفطر به قياسً على ما يصل إلى المعدة بعد المضمضة كما مر معنا سابقا. أيضاً مما احتج به أصحاب هذا القول أن هذه القطرة الطبية لو وصلت إلى المعدة فإنه ليس كل ما يصل إلى المعدة يحصل الفطر به .وعلى كل حال هذا الدليل فيه إشكال ونظر فبالتأكيد أن ما يصل من القطرة إلى المعدة سوف يحصل امتصاصهُ وليس صحيحاً أنه مثل الحصاة أو الخرزة أو نحو ذلك لكن كون هذا الذي يمتص مغذيا يحصل للإنسان به نشاط أو لا يحصل هذا ليس هو المعنى الذي يحصل به الفطر وإنما ما يصل إلى المعدة مما ينتفع به البدن أو يمتصه البدن ولهذا لو أن إنسانا مثلاً تناول سما هل نقول ما يفطر لأنه هذا ضار ولا ينتفع به البدن؟ هذا يعتبر أكلا أو شربا وبتالي يحصل به الفطر و بناء على هذين القولين فالذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم خاصةً أن ما يتعلق بالقطرة التي توضع بالأنف وإن كانت يسيره إلا أنه ما يأمن الإنسان أن يضع في أنفه خمس قطرات، هل الإنسان حينما يضع القطرة في أنفه نجزم بأنه وضع قطرة واحدة مقدارها 6% من السانتيمتر المكعب؟ هذا غير مجزوم به. بالأمس قلنا بالنسبة لبخاخ الربو البخه الواحدة الذي يصل منها يسير لأنها بخه واحدة لكن هنا قد الإنسان يريد أن يضع قطرة فيضع خمس قطرات. ثلاث قطرات . فنحن نقول إذا وصل إلى الحلق وإلى المعدة ما يزيد على ما يعفى عنه قياساً على ما يبقى بعد المضمضة فإنه يحصل به الفطر وإن كان الذي يصل إلى المعدة قدرا يسيرا جداً مثل ما يتسامح فيه مما يبقى بعد المضمضة فإنه حينئذ لا يحصل الفطرُ بذلك ولا شك أن المسألة كما قلت لكم إشكالها أنك ما تستطيع أن تجزم بمقدار ما وضع في الأنف فلو أن الإنسان جزم بأنه وضع قطرة واحدة في الأنف وما وصل من هذه القطرة إلى الحلق شيء لا يذكر قلنا إن القول الثاني هو الأرجح في هذه المسألة. لأن هذا يسير فهو مما يعفى عنه قياساً على ما يبقى في الفم بعد المضمضة لكن إذا لم يحصل اليقين بذلك ووضعت القطرة في الأنف ربما زادت وربما وصل إلى الحلق أكثر من ذلك فإننا نقول حينئذ إن هذه المسألة باب الاحتياط فيها ينبغي أن يكون مقدماً خاصةً أن النبي صلى الله عليه وسلم ‘ نص كما في حديث لقيط ابن صبره على عدم المبالغة في الاستنشاق إذا كان الإنسان صائماً وكما قلت لكم قبل قليل أنه في حال الاستنشاق إذا بالغ الإنسان في الاستنشاق فإن وصول شيء إلى حلقة مشكوك فيه ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم ‘ عن ذلك لئلا يصل شيء إلى الحلق فيحصل الفطر به فهذا لا شك أن القول الأول في هذه المسألة أنه أحوط لكن لو أنها كانت قطرة واحدة وتأكدنا من ذلك فإننا نقول إن القول الثاني أرجح لكن إذا حصل الشك في ذلك أو كان أكثر من ذلك فإننا نقول إن القول الأول أحوط في هذه المسألة .بالمناسبة فإن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد كما قلت لكم في دورته العاشرة عام 1418هـ أتخذ قراراً بالنسبة لقطرة الأنف أنها لا تفطر بشرط أن لا يبلع ما يصل إلى حلقهِ فلو أنه وضع في أنفه قطرةً ثم وصِلَ إلى حلقة شيءٌ منها فمجه وأخرجهُ فإنه لا يفطر بذلك لكن لو أبتلعه فإنه يفطر ويكون كالقول الأول في هذه المسألة.

النازلة الخامسة: غازات التخدير.
التخدير له أنواع كثيرة وطرق شتى وإنما نريد في هذه المسألة أن نبحث نوعا واحدا من أنواع التخدير وهو ما يتعاطى عن طريق الأنف بهذه الغازات وإلا فإن التخدير يحصل بهذه الغازات التي تستنشق ويحصل أحياناً بطريقة الإبر الصينية ويحصل أحياناً بالإبر التي تكون إما باللثة أو الوريد أو نحو ذلك في طرق كثيرة. لكن ما نريد أن نتكلم عنه هو ما يتعاطى عن طريق الأنف أو الفم من هذه الغازات هذا الذي يتعاطى عن طريق الأنف من الغازات نريد أن نبحثهُ في أكثر من موضع .
أولاً: الفطر بعملية التخدير ثم نأتي بعد ذلك إلى الأثر وهو كون الإنسان يتخدر هل يفطر بذلك أو لا يفطر؟
نبحث في المسألة الأولى عملية التخدير ذاتها هل يحصل بها فطر أو لا حينما توضع هذه الغازات أو نحوها على الأنف أو الفم فيستنشقها المريض ثم يحصل له بذلك التخدير هذه الغازات التي توضع على الأنف أو على الفم فيستنشقها؟
مجمع الفقه الإسلامي أتخذ فيها قراراً في دورته التي ذكرتها لكم على أنها لا تفطر . وقد ذكر بعض الفقهاء الذين بحثوا في هذه الغازات بأنه ليس لها أجرام وأنها تستنشق عن طريق التنفس و تذهب إلى مجاري التنفس وبتالي فإنها لا تنفذ إلى الحلق ولو نفذت إلى الحلق فما ينفذ منها يسير مما يعفى عنه ولا يحصل الفطر به قياساً على ما يبقى في الفم بعد المضمضة. هذا هو قرار مجمع الفقه الإسلامي في هذه المسألة. وقد ذكر لي أحد الأخوة بالأمس من الأطباء أن هذا الذي يوضع على الأنف للتخدير يصاحب أحياناً عملية إدخال المنظار إلى المعدة يقول إن هذا التخدير يكون معه أحياناً بعض البخار أو المواد التي تصل حتماً إلى المعدة، - ذكرت لكم الآن قرار مجمع الفقه الإسلامي وذكرت لكم ما ذكر لي أحد الأخوة الأطباء أنه يصل إلى المعدة من هذه الغازات مواد تصل حتماً إلى المعدة وهذه المواد لها أجرام و تمتص في المعدة فإذا كان ما يقوله الأخ دقيقاً بحيث أن هذه الغازات يكون معها مواد متحللة بخار ماء. مواد كيميائية وغير ذلك تصل إلى المريء ثم إلى المعدة فتمتصها المعدة وكان هذا المقدار كثيراً فإننا نقول أنه يفطر لكن مجمع الفقه الإسلامي والذين بحثوا هذه المسألة يقولون إنه لا يصل إلى المعدة من ذلك شيء يذكر وما يصل فهو داخل فيما يتسامح فيه مما هو يسير كما يبقى في الفم بعد المضمضة أو ما يصل إلى المعدة بعد المضمضة. هذه مسألة هل يقع الفطر بعملية التخدير؟ نأتي بعد ذلك إذا قلنا أن التخدير لا يفطر كما هو قرار مجمع الفقه الإسلامي ننتقل بعد ذلك إلى ما يحصل للمريض بعد عملية التخدير مما يشبه الإغماء التام لأن التخدير هذا المقصود منه تخدير المريض سوءً كان موضعياً أو تخديراً كلياً فإذا قلنا إن عملية التخدير لا تفطر، نأتي بعد ذلك إلى ما يحصل بعد تعاطي هذا المخدر.
فنقول ما يحصل للمريض بعد ذلك له حالات:
الحالة الأولى: أن يكون فقدان الوعي جزئياً. مثل أن يكون فقدان الوعي مثلاً لمنطقة الجهاز التنفسي أو جهاز البلعوم والمريء مثل ما يحصل عند المنظار فهذا فقدان للوعي في جزء معين وهو ما يسمى بالتخدير الموضعي لا يغيب معه العقل ولا الإحساس ولا الإدراك وهذا لا يحصل به الفطر لأن الإنسان لا يزال بقواه العقلية و يستصحب النية إما حقيقة أو حكما .
الحالة الثانية: أن يحصل له تخدير كامل. بمعنى أنه يتعاطى هذا المخدر ثم بعد ذلك يفقد الوعي بالكلية فهل يفسد الصيام بذلك أو ما يفسد؟ فقدان الوعي بالكامل له حالتان أيضاً.
الحالة الأولى: أن يفقد الوعي جميع النهار. من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بمعنى أنه ما يمر عليه من الصيام وهو في حالة إفاقة أو تذكر لصيام .
الحالة الثانية: أن يكون هذا التخدير في جزء من النهار يعني ساعة ساعتان ثلاث ساعات ثم يرجع إلى وعيه مرة أُخرى فأما الحالة الأولى لو أعطي المخدر مثلاً قبل طلوع الفجر وبقي مخدراً حتى غربت الشمس وكان من الليل عازماً على الصيام ناويا للصيام لكنه لما كان قبل الفجر بعشر دقائق أُعطي هذا المخدر فبقي مخدراً حتى غربت الشمس فهل يصح صيامه أو لا يصح؟ الكلام في هذه المسألة هو كلام أهل العلم في مسألة إذا أُغمي على الصائم النهار كلهُ لأن مسألة التخدير مثل مسألة الإغماء إن لم يكن التخدير أبلغ لأن التخدير يكون بفعل الإنسان وجمهور أهل العلم على أنه إذا خدر النهار كلهُ فإنه لا يصح منه صيام. والعلة في ذلك هي أن الصيام إمساك بنية وهذا لا يصح منه أن يقال أمسك بنية لأن هذا ليس معه وعي إطلاقاً والصيام كما تعرفون أنه تعبد لله سبحانه وتعالى ولهذا قلنا في تعريف الصيام بالأمس أنه إمساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا الذي فقد الوعي بالكامل لا تصح منه النية لا حقيقة ولا حتى حكماً وبالتالي لا يصح صيامهُ ومن أهل العلم من قال إن الإغماء أو التخدير كما هو حاصل الآن في هذا الزمن إنه لا يفسد الصيام قياساً على النوم كما لو أن الإنسان نوى الصيام ثم نام قبل طلوع الفجر وما أفاق إلا بعد طلوع الشمس فإن هذا نام النهار كله وغاب معه العقل والإدراك فإذا قلتم أنه يصح هنا فإنه يصحُ هنا فإنه إذا صح من النائم صح من المغمى عليه. ولا ريب أنه يختلف المغمى عليه أو المخدر عن النائم فالنائم معه نوع إدراك وأما المغمى عليه أو المخدر فإنه ليس معه إدراك بالكلية ولهذا الذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم أن الصيام حينئذ لا يصح إذا خدر النهار كلهُ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"يقول الله عزوجل كل عمل ابن أدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدعُ طعامهُ وشرابهُ وشهوتهُ من أجلي" فأنت تلاحظ في الصيام معنى أن الإنسان يمتنع طاعة لله سبحانه وتعالى وتعبداً "يدعُ من أجلي" فالترك هنا من أجل الله سبحانه وتعالى هذا هو الصيام أما ما يكون من ترك للطعام والشراب دون أن يكون في ذلك قصد الصيام فإنه حينئذٍ لا يكون صياماً ولا يكون إمساكاً تماماً مثل لو أن الإنسان أمسك عن الطعام والشراب ونحو ذلك على سبيل الحمية أو الرجيم أو نحو ذلك فالذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم هو قول الجمهور في هذه المسألة وأنه لا يصح صيامه.
وبناء على قول الجمهور الذين يقولون لا يصح صيامهُ فإذا كان التخدير لجزء معين من النهار بمعنى أن الإنسان في وسط النهار في رمضان ذهب إلى الطبيب من أجل أن يعمل له منظارا أو نحو ذلك فوضع له هذا المخدر وخدره تخديراً كاملاً لمدة ساعتين مثلاً ثم بعد ذلك رجع وأفاق مرةً أُخرى فإن أهل العلم يختلفون في ذلك على قولين:
فمن أهل العلم من يقول إن هذا يقطع النية، والنية في العبادات يشترطُ استصحابها في بداية العبادة حقيقة وفي أثنائها حكماً. ومعنى يستصحبها حكماً أن لا يأتي بما يقطعها فلا يشترط أن يتذكرها كل الوقت فالإنسان في صلاته يسهو والإنسان في رمضان ينام والإنسان في الحج ينام ويغفو فالمقصود أن لا يأتي بما يقطعها، لا ينوي قطع الصيام ولا ينوي قطع الصلاة فإذا نوى قطع النية انقطعت فهذا هو المقصود بالاستصحاب الحكمي فا أصحاب هذا القول يقولون إن غياب الوعي بالكامل يقطع النية وبتالي فإنه يفسد الصيام و من أهل العلم من قال إن هذا يقاس على النوم لأنه إذا حصلت له النية في أول العبادة وحصل له الإغماء أو التخدير في وسطها فإنه حينئذ استصحب النية حقيقة في بداية العبادة وفي أثنائها هذا التخدير يأخذ حكم النوم بمعنى أنه لم يأت بما يقطع وإنما غابت النية حينئذ وأنتم تعرفون أن مسألة الاستصحاب في أثناء العبادة أهون من قضية ما يتعلق بعدم استصحاب النية في بداية العبادة ففي بداية العبادة الأمر آكد أما في أثنائها فإنه أهون ولهذا ينام الإنسان ويغفل ويسهو في الصلاة وما تبطل صلاتهُ لكن لو أنه غفل عن النية في بداية العبادة ما دخل في العبادة أصلاً وما صحت العبادة منه ففي بداية العبادة لابد من استحضار النية لكن في أثنائها الأمر أيسر من ذلك ولهذا الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم أنه إذا حصل التخدير في وسط النهار أو في أثناء النهار دون أن يكون في أوله أو من أوله إلى أخره أن هذا لا يفسد الصيام.
هذا البحث في مسألة التخدير بالغازات التي تكون عن طريق الأنف أو الفم بعيداً عما يكون مع التخدير من ملابسات أُخرى لكن لو وجدت ملابسات أُخرى مع التخدير فإن هذه تبحث لوحدها كما لو أدخل جهاز ومعه مثلاً مادة هلامية ونحو ذلك أو أعطي المريض حقنة مغذية مثلاً أو وضع في دم المريض حقنة مغذية كالسكر أو نحو ذلك هذه مسائل أُخرى سنبحثها لوحدها. نحن نتكلم الآن عن عملية التخدير فقط.

النازلة السادسة: ما يتعلق بقطرة الأذن.
فإذا وضع الإنسان في أذنه قطرة علاجية فهل يفطر بذلك أو لا يفطر؟ قبل أن نبحث هذه المسألة نبحث مسألة أختلف فيها أهل العلم قديماً، والآن صار الطب فيصلا فيها وهي هل الأذن منفذ إلى الحلق أو لا؟ فالأطباء يقولون إن الأذن ليست منفذً إلى الحلق إلا في حالة واحدة.- فلو وضعت في الأذن سائلا ماء أو دهنا أو قطرة أو أي شيء . لا يمكن أن يصل هذا إلى الحلق إلا في حالة واحدة وهي إذا وُجد في طبلة الأذن خرق فحينئذ هناك قناة تصل من الأذن إلى الحلق ومن الممكن أن يضع الإنسان في أذنه شيئاً فيصل إلى حلقة أما إذا كانت طبلة الأذن غير مخرقة فإنه لا يمكن أن يصل شيء من الأذن إلى الحلق. فهذه مسألة مهمة قبل أن نبحث المسألة التي بين أيدينا
وقد اختلف أهل العلم قديماً فيما إذا وضع الإنسان في أذنه دهنا أو ماء أو نحو ذلك هل يفطر بذلك أو لا يفطر فمن أهل العلم من قال إنه يفطر بذلك بناءً على أنه لو وضع في أذنه شيئاً فإنه ربما وجد طعمه في حلقة، ومعنى ذلك أنه منفذ، ومن أهل العلم من قال إنه لا يفطر بما يصل إلى أذنهِ وذلك أن الأذن ليست منفذاًً للحلق فهذا ليس أكلا ولا شربا ولا في معناهما و الشرع إنما جاء بالفطر بالأكل والشرب والمفطرات المعروفة فهذا الذي يوضع في الأذن ليس أكلاً ولا شرباً ولا ينفذ إلى الحلق فنحن الآن بعد ظهور أن الأذن لا تكون منفذا إلى الحلق إلا إذا كانت الطبلة مخرقة. نقول: إن الطبلة إذا كانت سليمة فمعنى ذلك أن ما يوضع في الأذن لا يصل إلى الحلق وبتالي فإن هذا ليس منفذً إلى المعدة وبناءً عليه إذا كانت طبلة الأذن غير مخرقة فإن قطرة الأذن لا تفطر نأتي إلى الحالة الثانية :افترض أن طبلة الأذن مخرقة وحينئذ كما يقول الأطباء تكون الأذن منفذا إلى الحلق وقد يوضع في الأذن شيء فيصل إلى الحلق فهل يفطر بذلك أولا يفطر؟ فالكلام حينئذ كالكلام في قطرة الأنف وغيرها هل هذا الذي يصل إلى الحلق يحصل به الفطر لأنه يصل إلى الحلق ثم إلى المعدة وما وصل إلى المعدة فإنه يفطر به الإنسان مثل ما قيل في بخاخ الربو ومثل ما قيل في قطرة الأنف وغيرها فنقول أن هذا يصل إلى الحلق والجوف وبتالي يفطر به لحديث لقيط ابن صبره"وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " فهذا يعتبر في حكم الأكل والشرب أو نقول وهو القول الثاني في هذه المسألة وهو:الذي يقول به مجمع الفقه الإسلامي أنما يمكن أن يصل إلى الحلق لو كانت الطبلة مخرقةً يسير جداً بحيث أنه لا يخرج عن المقدار المعفو عنه فيما يتعلق بالمضمضة فما يصل إلى الحلق من قطرةٍ لا يزيد عما يصل إلى الحلق والمعدة مما يبقى إذا تمضمض الإنسان بالماء وهو صائم وإذا تمضمض بالماء وهو صائم فإنه لا يفطر بالإجماع فكذلك هنا لا يفطر وهذا هو القول الراجح إن شاء الله تعالى ومجمع الفقه الإسلامي يقول إنه لا يفطر بشرط أنه لا يبتلع ما يصل إلى حلقه لكن نحن نقول حتى لو وصل إلى
حلقه شيء وابتلعه فإن هذا لا يخرج عن كونه يسيراً يعفى عنه.

النازلة السابعة : غسيل الأذن.
أما إذا كانت طبلة الأذن سليمة وغير مخرقة فإنه لا يحصل الفطر بذلك لما سبق وأما إذا كانت طبلة الأذن مخرقة ثم غسلت هذه الأذن بماء أو نحوه ثم وصلت كمية تزيد عن المقدار المعفو عنه والقول حينئذ بأنه لا يفطر لا شك بأنه قول ضعيف والصحيح والله أعلم أنه إذا حصل غسيل الأذن وهي مخرقة الطبلة والغسيل حينئذٍ بماء كثير أو محلول كثير فإنه حينئذٍ يفطر بذلك استدلالا بحديث لقيط ابن صبره رضي الله عنه في السنن" وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما "لأن هذا في معنى الاستنشاق إذا كانت الأذن قناة تصل إلى الحلق وإلى المعدة ثم غسلت بالماء الكثير فوصل شيء إلى ذلك فهذا مثل ما يصل إلى الحلق إذا بالغ الإنسان في الاستنشاق ولهذا الظاهر والراجح حينئذٍ أنه يفطر بذلك لكن لو حصل الغسيل بشيء يسير أونحو ذلك فإن هذا يأخذ حكم القطرة لكن إذا كان كثيرا ًبماء أو محلول أونحو ذلك فإن هذا مثل إذا استنشق الإنسان أو بالغ بالاستنشاق فإنه يفطر بذلك .

النازلة الثامنة: قطرة العين
ما يوضع في العين من مادة علاجية على شكل قطرة. قبل بحث هذه المسألة نقدم بإجابة على سؤال هل العين قناة إلى الحلق؟ بحيث أنما يوضع في العين يصل إلى الحلق أم لا؟يقول الأطباء إن العين قناة إلى الحلق فإن العين لها قناة متصلة بالأنف ثم بالحلق ولهذا نقول إن هذا منفذ إلى الحلق، والآن هل يحصل الفطر بما يوضع في العين من قطرة؟ المسألة خلافية بين أهل العلم المعاصرين وقد ذهب أكثر أهل العلم ومنهم :الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين _عليهما رحمة الله_ إلى أنه لا يفطر الصائم بوضع قطرة في عينه، لأن الصيام ثبت بيقين فلا يرفع إلا بيقين وما يصل مما يوضع في العين من قطرة لو وصل فإنه لا يزيد على ما يعفى عنه مما يتبقى بعد المضمضة فإن الأطباء يقولون إن تجويف العين لا يمكن أن يتسع إلا لقطرة واحدة وهذه القطرة حجمها لا يعدوا ستة بالمائة من السنتيمتر المكعب الواحد ثم إن هذه القطرة سوف يمتص أكثرها فيما يسمى بالقناة الدمعية وما يصل إلى الحلق إن وصل إلى الحلق فهو كمية ضئيلة جداً لا تزيد عما تسامح الشرع به في المضمضة بل إن بعض الأطباء يقولون إنه لا يمكن أن يصل شيء من قطرة العين إلى الحلق فإنما يوضع في العين يمتص بالكامل في القناة الدمعية وما يجده الإنسان من طعم في حلقه ليس عن طريق وصول هذه القطرة إلى الحلق وإنما يقولون إن الجسم لما إذا امتص هذه القطرة ذهبت مرارتها إلى مراكز التذوق في اللسان فيحس الإنسان بطعمها ولو لم تصل في الحقيقة إلى اللسان وإنما وصلت لامتصاصها في البدن ووصولها إلى مراكز التذوق وهذا كلام لبعض الأطباء وليس كلهم لكن لو أننا لم نأخذ بهذا الكلام وإنما أخذنا بأنه قد يذهب شيء من قطرة العين إلى الحلق فإننا نقول إنما يصل إلى الحلق من ذلك يسير جداً لا يتجاوز الحد المعفو عنه بالمضمضة، ومن أهل العلم من قال إن قطرة العين يحصل بها الفطر وهؤلاء يقولون قياساً على الكحل فكما أنه يفطر إذا اكتحل فكذلك إذا وضع قطرة فإنه يفطر لأنه يجد طعمها في حلقه فإذا وصلت إلى جوفه أفطر بذلك وهذا على كل حال يجاب عنه بأن الأصل المقيس عليه ليس محل إجماع من أهل العلم، فأهل العلم مختلفون في الكحل والصحيح أنه لا يفطر الإنسان بالكحل فالأصل المقيس عليه ليس مسلماً كما يستدلون بحديث لقيط بن صبره "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" قالوا هذا يصل إلى المعدة وقد أجبنا عن ذلك بأن ما يمكن أن يصل إلى الحلق ثم إلى المعدة من ذلك يسير معفو عنه فهو داخل تحت ما تجاوز الله عنه مما يبقى بعد المضمضة ولهذا فالصحيح أن قطرة العين لا يحصل بها الفطر .

النازلة التاسعة: الحقن العلاجية سواء كانت جلدية أو عضلية أو وريدية.
فهذه هي أقسام الحقن منها ما يؤخذ تحت الجلد مثل حقن الأنسولين أو كانت مما يعطى في العضل أو في الوريد هذه الحقن قيدناها بالعلاجية لأنه سيأتي في النازلة التي تليها الحقن المغذية لكن مانريد أن نتكلم عنه الآن الحقن العلاجية هل يحصل الفطر بها؟
مر معنا أن الجوف على التحقيق والراجح أن المقصود به المعدة و بالتالي فهذه الحقن العلاجية التي تؤخذ بالطرق الثلاث إذا عرفنا أنها لاتصل إلى المعدة بل تكون عن طريق الجلد أو عن طريق الدم وأنها لا تأخذ حكم الأكل ولا الشرب فيما يحصل بها من تقوية للبدن ونشاط وحيوية وغير ذلك فإننا نقول حينئذٍ إن الصيام ثابت بيقين وإن هذا الصيام الثابت بيقين لا يرتفع إلا بيقين مثله وهذه الحقن ليست من المفطرات التي نص الشرع على التفطير بها وليست في معناها ولهذا نقول إنها لا تفطر وبهذا قال أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة فقد اتخذوا قراراً بالإجماع أن هذه الحقن لا تفطر وهو قول الشيخين ابن باز والعثيمين عليهما رحمة الله تعالى وقد ذكر الدكتور أحمد الخليل في مفطرات الصيام المعاصرة أنه لا يعرف أحداً قال بأن هذه تفطر وذلك لما سبق من التعليل فنعرف أنه لا بأس للصائم أن يعطى إبرة الأنسولين تحت الجلد أو المضاد الحيوي أو يعطى اللقاح وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء من قِبل وزارة الصحة بأنها تنوي القيام بحملات تطعيم ضد الحمى الشوكية على المدارس في نهار رمضان فهل يحصل الفطر بهذه الإبر فأفتت اللجنة الدائمة بأن هذا لا يفطر.

النازلة العاشرة: الحقن المغذية الوريدية.
وهي التي تعطى لبعض المرضى وتكون مؤلفة من محلول مائي يحتوي على السكر والأملاح والماء وربما أضيف إليه بعض العلاجات فهذه الإبر المغذية لا تنفذ إلى الجوف ولا تصل إلى المعدة وإنما هي إبر تعطى عن طريق الوريد فهي تدخل إلى الدم مباشرة فمن جهة وصولها إلى الجوف والمعدة فإنها لا تصل لكن يبقى أن هذه الإبر المغذية في معنى الأكل والشرب ولهذا تلاحظون أنه في بعض الأحيان عند المرضى قبيل العمليات الجراحية أو بعدها أو في بعض الحالات المرضية ربما يجلس المريض لساعات أو أيام يتغذى على هذه الإبر فقط لا يعطى أي طعام أو شراب وهذا يدل دلالة أكيدة على أنها في معنى الأكل والشرب ولهذا فمجمع الفقه الإسلامي وأكثر العلماء المعاصرين على أنها تفطر وذلك أنها وإن لم ينص على أنها من المفطرات إلا أنها في معنى المنصوص قد نص الكتاب الكريم والسنة النبوية على أن الصائم يفطر بالأكل والشرب { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط الأسود من الفجر }وفي الحديث" يدع طعامه وشرابه وشهوته " فالأكل والشرب منصوص على التفطير بهما وهذه الإبر في معنى المنصوص عليه ولهذا فإنه يحصل الفطر بها، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه لا يحصل الفطر بها لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا تنفذ إلى المعدة ولكن لا شك أن هذا قول ضعيف لأنها ليست أكلا ولا شربا ولكنها في معنى الأكل والشرب والمريض قد يستغني بها أياماً عن الأكل والشرب ولهذا فلا شك أن القول الراجح أنه إذا تعاطها المريض فإنه يفطر بذلك .

النازلة الحادية عشر: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية.
من المعروف أن في الجلد مسامات يحصل من خلال هذه المسامات امتصاص ما يوضع على الجلد فمثلا الإنسان إذا وضع على جلده مادة دهنية يمتص الجلد هذه المادة كما هو معروف ومشاهد ومثل هذه المواد الدهنية توضع مواد علاجية على الجلد لأن هذه المسامات تمتص هذا العلاج وأحيانا توضع العلاجات على شكل لصقات تكون فيها مادة نفاثة أو مادة علاجية مسكنة أو طيارة أو نحو ذلك فتوضع على الجلد فهذه المراهم والدهانات التي توضع على الجلد فيمتصها الجلد وتنتهي على الدم إذا قلنا بأن الإبر والحقن التي تعطى عن طريق العضل وتحت الجلد وفي الوريد لا تفطر فهذه من باب أولى فقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قرارا بالإجماع أنها لا تفطر وقد حكى بعض الباحثين الإجماع على أن هذه لا يحصل الفطر بها ومما لاشك فيه أن الناس على عهد النبي كانوا يحتاجون إلى الادهان في جلودهم وشعورهم وهذا أمر معروف عند الناس في القديم والحديث وحتى في قصة العنبر في الحديث قال : فأكلنا وادهنا, فالادهان أمر معروف والدهن يمتصه الجلد ولو كان مفطراً لنبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز على النبي ‘ تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا لا شك أنه ظاهر في أن مثل هذه حتى لو كانت علاجية فإنها لا تفطر .
نوازل الصيام
100out of 100 based on 100 ratings. 100 user reviews.
 
إدارة الموقع : إعلن هنا | إعلن هنا | إعلن هنا
جميع الحقوق محفوظة © 2019. الداعى الى النور
برمجة وتعريب وتطوير مواقع \محمدالسيسي